استثمار لسانيات المدونات الحاسوبية في بحوث اللسانيات العربية، من التنظير إلى التطبيق
الملخص
شكل ميلاد علم الذخائر اللغوية أو ما بات يعرف بـ: لسانيات المتون(Corpus Linguistics) (Linguistique de Corpus)خلال منتصف القرن العشرين على يد جيفري ليتش( G.Leech)و آخرين في أمريكا و أوروبا مرحلة جديدة في مسار تطور النظرية اللسانية و تطبيقات اللسانيات الموسّعة في ضوء انفتاح النسق اللساني وضعا واستعمالا على المقاربات المتعددة للمعالجة الآلية للغات الطبيعية ،وما تمخض عنه من ظهور تعاون بيني(Interdisciplinary) أسفر عن تخصصات نوعية كان من بينها اتجاهات اللسانيات الحاسوبية، ولسانيات المدونات الحاسوبية تحديدا .ومنذ ذلك الحين بذلت جهود عديدة بناء على استراتيجيات مختلفة لبناء متون (Corpus) لغوية ونصية كتابية وشفوية ضخمة على غرار المتن الوطني البريطاني (British National Corpus) ،ومعالجة بياناتها آليا خدمة لأغراض الوصف اللساني وتعليمية اللغات و صناعة المعجمات و الترجمة الآلية ، وما لبثت تطبيقات لسانيات المتون أن اخترقت الحدود المرسومة لها نحو نظريات تحليل الخطاب والخطاب النقدي و الأسلوبيات واللسانيات الجنائية و الجغرافية وعلم اللهجات بالرغم من مواقف التشكيك في كفايتها التفسيرية التي أبداها تشومسكي و أتباعه، وهي مواقف نابعة في عمومها من معارضة الدراسات التجريبية اللغوية. و بالرغم من إنجازاتها المهمة في الغرب إلا أن الاستقراء لما أنجز على صعيد الكتابة اللسانية العربية لا يشي بحفاوة الاستقبال المعرفي في أبحاث اللغة العربية قياسا بأشكال ومراتب تلقي النظريات اللسانية المؤسسة على المنهج النوعي (الكيفي)،وقد يعزى هذا الموقف إلى إكراهات و أسباب عديدة ستحاول هذه الدراسة الكشف عنها ، من خلال فحص جهود اللغويين العرب في التأسيس لخطاب لساني شارح يمكن أن يكون منطلقا للسانيات متون عربية تمهيدية بعد تجاوز مرحلة التلقي إلى الاستثمار و الإنتاج، معرجين في السياق ذاته على أولى التجارب العربية المنسية ،والتي أسست- في الحقيقة- لنظرية المتون الحاسوبية العربية نظرية و تطبيقا؛ أعني بذلك مشروع الذخيرة العربية الآلية (الإنترنيت العربي) الذي أطلقه عبد الرحمن الحاج صالح ، هذا و تطمح الدراسة إلى الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بإبراز مراحل نشأة لسانيات المتون في ضوء صلتها العضوية باللسانيات و نظرية اللغة ، وعرض نماذج الكتابة اللسانية العربية الشارحة للسانيات المتون في حدود النظرية والإجراء ، مع توضيح طبيعة العلاقة التي تربط المفهوم الغربي للسانيات المتون بالأسس النظرية و التطبيقية لمشروع الذخيرة العربية ، ومن المشروع أن نسأل -أيضا- عن كيفية استثمار المنجز العربي في صياغة نظرية عربية للسانيات المتون؟ والأهم من ذلك : هل هناك متون لغوية عربية يمكن أن نؤسّس عليها لسانيات متون عربية؟ إنّ هذه الأسئلة وغيرها تؤسس لمشروعية قيام لسانيات متون للعربية يمكن أن توفر خدمات متنوعة لترقية البحوث اللسانية، نحو فهم أمثل للغة وضعا و استعمالا.